سدير الشايع / المدير التنفيذي لمنظمة محاور للدراسات والبحوث
الملخص التنفيذي
رغم انتشار مراكز التفكير في العراق بعد عام 2003، تواجه هذه المؤسسات تحديات كبيرة تعيق تأثيرها المباشر على صناع القرار السياسي، تأتي هذه التحديات نتيجة لعوامل متعددة، من أبرزها ضعف الاهتمام الرسمي بدور مراكز التفكير، نقص التمويل المستقل، وضعف الارتباط مع صناع القرار، كما تفرض القيود السياسية وضعف الاستقرار العام قيودا على قدرة هذه المراكز في تقديم توصيات مستقلة.
من بين المراكز البارزة في العراق نجد “المعهد العراقي للحوار “، “مركز البيدر للدراسات”، و”مركز البيان للدراسات والتخطيط” وغيرها ، هذه المراكز تقدم دراسات معمقة حول القضايا السياسية والأمنية، إلا أن تأثيرها يظل محدودا نتيجة عدة عوامل أساسية تتعلق بتعقد المشهد السياسي ونقص الدعم الحكومي.
أدوات التأثير التي تعتمد عليها هذه المراكز تشمل إعداد التقارير، تنظيم الندوات، والتعاون مع المنظمات الدولية، لكنها تعاني من غياب التعاون الفعّال مع الحكومة العراقية.
لتحقيق تأثير أكبر، توصي هذه الورقة بتعزيز استقلالية مراكز التفكير عبر توفير تمويل حكومي مستدام، وتشجيع التعاون المؤسسي بين مراكز الأبحاث وصناع القرار لضمان استثمار الأبحاث في صنع السياسات العامة.
المقدمة
تلعب مراكز التفكير (Think Tanks) دورا حيويا في دعم صنع القرار السياسي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، من خلال تقديم تحليلات معمقة ودراسات مبنية على الأدلة، في العراق، ومع التحولات السياسية والاجتماعية التي تلت عام 2003، برزت العديد من المراكز التي تسعى إلى تقديم رؤى حول قضايا الأمن القومي، الاقتصاد، والحكم الرشيد. ومع ذلك، تواجه هذه المراكز تحديات كبيرة تؤثر على قدرتها في التأثير على صناع القرار السياسي. في هذا السياق، تسلط هذه الورقة الضوء على طبيعة العلاقة بين مراكز التفكير وصناع القرار في العراق، والتحديات التي تواجهها هذه المراكز، وكذلك الأمثلة البارزة على المراكز المؤثرة، والتوصيات لتحسين دورها في صنع السياسات العامة.
أهمية مراكز التفكير في صنع السياسات
تعد مراكز التفكير مؤسسات دراسات وأبحاث تقدم حلولاً تعتمد على المعرفة العلمية معززة بالخبرات العميقة لدعم السياسات العامة في العراق، ظهرت مراكز أبحاث متعددة بعد عام 2003 بهدف تقديم رؤى حول الأزمات التي تواجه الدولة العراقية، سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية. ومع ذلك، فإن تأثير هذه المراكز يظل محدودا مقارنة بما يمكن تحقيقه في بيئة سياسية معقدة ومتغيرة.
العلاقة بين مراكز التفكير وصناع القرار في العراق
العلاقة بين مراكز التفكير وصناع القرار في العراق لا تزال ضعيفة وغير منتظمة، يميل صناع القرار إلى الاعتماد على التوجهات السياسية الانية أو الانتماءات الأخرى ذات الطابع المعقد عند اتخاذ القرارات، مما يقلل من فرص الاعتماد على مخرجات الأبحاث والدراسات ، وفقا لتقارير متعددة، يعتمد صناع القرار على آراء محددة من المستشارين الداخليين، بدلا من توسيع دائرة الاستشارة لتشمل مراكز الأبحاث المستقلة عديدة.
التحديات التي تواجه مراكز التفكير العراقية
1. نقص التمويل
تعتمد معظم المراكز في العراق على مصادر تمويل غير مستقرة، مما يحد من قدرتها على إنتاج أبحاث عالية الجودة والاستقلالية، التمويل الحكومي شبه غائب، ما يدفع العديد من هذه المراكز إلى الاعتماد على تمويل خارجي قد يؤثر على حياديتها، عدم وجود دعم حكومي مستمر يعوق قدرة هذه المراكز على التأثير الفعلي في صنع السياسات العامة.
2. القيود السياسية
الوضع السياسي غير المستقر منذ عام 2003 يجعل من الصعب على المراكز تقديم توصيات سياساتية مستقلة، بعض المراكز تتعرض لضغوط تتعلق بالتوجهات التي تسعى إلى توجيه الأبحاث بما يتناسب مع أجنداتها، مما يؤثر سلبا على استقلالية وفعالية هذه المراكز .
3. غياب التعاون مع صناع القرار
على الرغم من وجود مراكز ذات إنتاج معرفي غزير إلا أن صناع القرار يميلون إلى تجاهل مخرجات هذه المراكز، لأسباب تتعلق بالكيفية التي ينظر لها صانع القرار لأهمية تلك المخرجات، مما يضعف تأثير مراكز الأبحاث على السياسات العامة.
نماذج لمراكز التفكير المؤثرة في العراق
1. مركز البيان للدراسات والتخطيط
يُعد من المراكز البحثية الهامة التي تركز على القضايا الاستراتيجية والأمنية في العراق. يقدم دراسات حول الأمن الوطني والسياسات الإقليمية.
2. مركز البيدر للدراسات
يُعد من المراكز التي تسعى لتقديم رؤى وتحليلات حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تقديم حلول عملية.
4. المعهد العراقي للحوار
يُعرف بدوره في تسهيل الحوارات بين مختلف الفاعلين السياسيين في العراق. يقدم دراسات تتعلق بالحوار الوطني وبناء السلام.
وهناك العديد من المراكز والمؤسسات ذات الطابع المستقل وآخرها انطلاق منظمة محاور للدراسات والبحوث كمركز تفكير مستقل
أدوات التأثير التي تستخدمها مراكز التفكير العراقية
1. إعداد التقارير والدراسات
تقوم المراكز بإعداد تقارير استراتيجية ودراسات تقدم حلولاً لمشكلات الأمن، الاقتصاد، والسياسة، رغم أن هذه الدراسات قد تكون ذات جودة عالية، إلا أن تأثيرها الفعلي على صنع القرار يظل محدودا بسبب غياب التعاون بين هذه المراكز والحكومة.
2. الندوات والمؤتمرات
تعمل بعض المراكز على تنظيم مؤتمرات وندوات تجمع بين الأكاديميين وصناع القرار لمناقشة القضايا المهمة مثل الأمن والسياسات الاقتصادية، رغم أهمية هذه الندوات في تبادل الأفكار، إلا أن نتائجها نادرا ما تؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسات العامة.
3. التعاون مع الجهات الدولية
تعتمد بعض المراكز العراقية على التعاون مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة أو البنك الدولي لتطوير أبحاث ودراسات مشتركة حول القضايا المحلية، هذا التعاون يتيح للمراكز الحصول على التمويل والدعم الفني، لكنه لا يصنع فارقا في قدرتها على التأثير المباشر في القرارات السياسية الداخلية
التوصيات لتعزيز دور المراكز في صنع القرار السياسي
1. تعزيز الاستقلالية
ينبغي توفير تمويل حكومي مستقل ودعم مالي مستدام لمراكز الدراسات وفق معايير نوعية لضمان حياديتها واستقلاليتها، تحقيق هذا الهدف يتطلب من الحكومة العراقية تخصيص جزء من الميزانية لدعم الأبحاث العلمية والسياساتية دون تدخل سياسي.
2. تشجيع التعاون بين مراكز الأبحاث وصناع القرار
يجب تعزيز العلاقة بين مراكز الأبحاث وصناع القرار من خلال إنشاء قنوات تواصل مستمرة تتيح للمراكز تقديم توصيات مباشرة حول القضايا السياسية والاستراتيجية، مثل هذه القنوات ستساعد في تعزيز الدور الفعلي لمراكز الأبحاث في صنع السياسات العامة.
3. توسيع دور الأبحاث التطبيقية
مراكز الأبحاث العراقية وبغية تعزيز دورها ينبغي التركيز على الأبحاث التطبيقية التي تستجيب للتحديات الراهنة مثل الأمن الغذائي، الحوكمة، والطاقة، من خلال تقديم حلول عملية يمكن تنفيذها على أرض الواقع.
الخاتمة
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها مراكز التفكير العراقية، فإن لديها إمكانيات هائلة لدعم صنع القرار السياسي وتعزيز السياسات العامة، ولتعزيز دورها، تحتاج هذه المراكز إلى دعم مالي مستقل وتعاون وثيق مع صناع القرار، إذا تم تحسين هذه العلاقة، يمكن أن تصبح مراكز الأبحاث جزءا أساسيا من عملية صنع السياسات في العراق.
المصادر
1. مركز البيان للدراسات والتخطيط. (2016). دور مراكز الأبحاث في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية، http://www.bayancenter.org/2016/04/1936
2. تشاتام هاوس. (2024). المشهد الاجتماعي والسياسي في العراق: إعادة التفكير في التسويات السياسية. https://www.chathamhouse.org/research
3. المعهد الجمهوري الدولي. (2010). مناقشات حول الديمقراطية ودور مراكز الأبحاث في العراق.
4. أبيلسون، د. إ. (2023). مراكز الأبحاث في السياسة العامة. في م. فان غيرفن، ك. شوبيرت (محرران)، موسوعة السياسة العامة. سبرينجر، تشام. https://doi.org/10.1007/978-3-030-90434-0_42
5. المعهد العراقي للحوار
6. مركز البيان
7 مركز البيدر
More Stories
مخاطر السيطرة الفردية على الزناد النووي الأمريكي
المجتمعات العربية والقرن الـ21: مداخل التفكيك
أثر الحرب الإسرائيلية على الصحة النفسية لطلاب المدارس في غزة