جاستن وورلاند – مجلة تايم الامريكية
تعدّ مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية حول تغيّر المناخ مناسبة فريدة تجمع عشرات الآلاف من المندوبين من مختلف دول العالم، للتفاوض بشأن مستقبل سياسات المناخ العالمية. لكن مؤتمر هذا العام، المعروف باسم COP29 ، تجاوز الحدود التقليدية بمزيج من الأحداث السياسية المتشابكة والتحولات الاقتصادية العميقة.
انعقد المؤتمر في باكو وسط أجواء مشحونة، حيث ظهرت التناقضات بوضوح في أجنحة العرض. ففي الجناح الروسي، جلس المندوبون وسط أجواء مرفهة يحتسون الشاي، بينما عرض الجناح الأوكراني ألواحا شمسية مدمّرة بفعل القصف الروسي. لم تقتصر المفارقات على هذا، بل رُصدت تحركات أعضاء طالبان بين المندوبين، ما أضاف بُعدا مثيرا وغير مسبوق. وفي سياق آخر، انسحب الوفد الأرجنتيني بناءً على أوامر رئيس البلاد اليميني الجديد، فيما قرر وزير البيئة الفرنسي التغيب عن المؤتمر احتجاجًا على خلاف مع الدولة المضيفة.
وفي افتتاح المؤتمر، أثار رئيس أذربيجان جدلًا واسعا عندما وصف الوقود الأحفوري بأنه “هدية من الله”، في موقف يبرز التوترات المتجذّرة بين المصالح الاقتصادية وأهداف المناخ العالمية.
مؤتمر في ظل التحولات السياسية
انعقاد المؤتمر بعد الانتخابات الأميركية مباشرة أضاف بُعدا آخر للنقاشات. كان انتخاب دونالد ترامب موضوعا حاضرا في جميع المحادثات تقريبا، نظرا للدور المحوري الذي لعبته الولايات المتحدة على مدى عقود في صياغة الاتفاقيات المناخية. لكن القلق من تراجع الإدارة الجديدة عن التزامات المناخ كان ملموسًا في كلمات جون بوديستا، مبعوث المناخ للرئيس جو بايدن، الذي أقرّ بخطورة الوضع، قائلاً:
“من الواضح أن الإدارة القادمة ستسعى لعكس الكثير من التقدم المحرز، وأنا أدرك تمامًا خيبة الأمل التي سبّبتها الولايات المتحدة أحيانًا”.
النقاش حول تمويل التحوّل المناخي
يركّز مؤتمر هذا العام على تمويل التحوّل المناخي، وهو ملف حساس يتطلب التزاما عالميا. ومع ذلك، تسود المحادثات توترات جيوسياسية تهدد بنسف الاتفاقيات المحتملة. وقد أشار المشاركون المخضرمون إلى أن هذه الدورة من المفاوضات بدت أكثر قربا من الانهيار مقارنة بالمؤتمرات السابقة.
المخاطر والفرص
في ظل الظروف الحالية، العالم يواجه لحظة حرجة. الظواهر الجوية المتطرفة المرتبطة بالمناخ أصبحت أكثر شيوعا، ما يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية في جميع أنحاء العالم. لكن في المقابل، هناك مؤشرات إيجابية. إزالة الكربون لم تعد مجرد وعود نظرية؛ أصبحت واقعا اقتصاديا ملموسا، حيث تستثمر الشركات الكبرى مليارات الدولارات في البنية التحتية للطاقة النظيفة، وتتكيف الأعمال الصغيرة مع متطلبات الاستدامة.
باكو كمثال للتحوّل
تجسّد مدينة باكو سرعة التحولات المناخية التي تطال حتى الاقتصادات الناشئة. عند وصولي، لاحظت تغيرا واضحا في نوعية السيارات على الطرق. قبل سبع سنوات، كانت السيارات السوفييتية القديمة تهيمن على المشهد، أما الآن، فقد استُبدلت بالسيارات الكهربائية الصينية. هذا التحول يعكس بوضوح أن الطاقة النظيفة لم تعد حكرًا على الدول الكبرى، بل أصبحت جزءًا من الاقتصاد العالمي.
تحديات العدالة المناخية
مع تقدم المفاوضات، تتصاعد الخلافات حول عدالة التحوّل المناخي. الأسئلة الكبرى تتمحور حول تأثير هذه التغييرات على الدول الفقيرة، وحجم الدعم المالي المطلوب من الدول الغنية، ودور الوقود الأحفوري في مرحلة الانتقال. دفعت هذه القضايا بعض الشخصيات البارزة، مثل كريستيانا فيغيريس مديرة المناخ السابقة للأمم المتحدة ويوهان روكستروم عالم مناخ ، إلى إصدار بيان مشترك يدعو لإصلاحات جذرية تشمل معايير صارمة لاختيار الدول المضيفة للمؤتمر وتسريع عملية اتخاذ القرارات.
استثمارات لا يمكن التراجع عنها
شهدت السنوات الأخيرة استثمارات هائلة في مجال الطاقة النظيفة، جعلت من الصعب عكس الاتجاه الحالي. كما قالت وزيرة البيئة الكندية السابقة كاثرين ماكينا:
“لا يمكن لأي دولة أن توقف هذا التقدم… التحول الآن جزء من الاقتصاد الحقيقي”.
تساؤلات حاسمة
يبقى السؤال الأهم: كيف ستؤثر هذه التحولات على مختلف دول العالم؟ من سيستفيد ومن سيدفع الثمن؟ وهل سيكون التحوّل سريعا بما يكفي لتجنب أسوأ آثار تغيّر المناخ، خصوصا في الدول النامية؟
إجابة هذه الأسئلة ستحدد مسار الجغرافيا السياسية للمناخ لعقود قادمة.
More Stories
زلزال الطوفان وآثاره على المنطقة والعالم
تصعيد حلب وتداعياته على العراق والمنطقة
الأسباب السرية وغير المعلنة لقبول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان