يونيو 20, 2025

روسيا وإيران وتحالف التوازنات الجديدة 

شهدت موسكو حدثا بالغ الاهمية يحمل ابعاداً استراتيجية كبرى، حيث وقعت معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران. هذه المعاهدة التاريخية، التي تم الاعداد لها على مدار سنوات، تعد نقطة تحول محورية في مسار العلاقات الدولية، اذ ترسخ شراكة نوعية بين دولتين تمتلكان وزنا جيوسياسياً هائلاً وتأثيراً ممتدا على الساحتين الاقليمية والدولية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف هذه المعاهدة بانها “اساسية وكبيرة”، معتبرا انها ستحقق نقلة نوعية في جميع مجالات التعاون بين البلدين، بدءا من الطاقة والمشاريع النووية، وصولا الى تعزيز البنية التحتية للنقل والشحن. من جانبه، شدد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على ان الاتفاقية تعكس قوة العلاقات الثنائية المتزايدة، مؤكدا ان هذه الشراكة تمثل حجر الزاوية لتقوية التحالفات الاقليمية بعيدا عن تدخل القوى الخارجية.

تتجاوز هذه المعاهدة كونها مجرد اتفاقية تعاون ثنائي، اذ تمثل تحديا للنظام العالمي التقليدي الذي تقوده الولايات المتحدة. اختيار توقيت توقيعها، قبل ايام من عودة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى البيت الابيض، يرسل رسالة واضحة بان روسيا وإيران تعملان على بناء نظام عالمي بديل يعكس ارادتهما السيادية، ويواجه محاولات الهيمنة الغربية.

احد ابرز محاور الاتفاقية هو تحقيق تكامل مالي وتجاري بين البلدين. الاتفاق يتضمن مشاريع رائدة تشمل ربط انظمة الدفع المصرفية، واعتماد العملات الوطنية في التجارة، وازالة الحواجز الجمركية والبنكية. هذه الخطوات تؤكد الرغبة المشتركة في تحقيق استقلال اقتصادي يعزز مكانة البلدين على الساحة العالمية.

في الاطار الاقليمي، تمثل الاتفاقية رؤية متقدمة لمواجهة التحديات الامنية المشتركة. التعاون الامني في مواجهة التطرف والارهاب، ودعم الاستقرار في مناطق مثل الشرق الاوسط وأفغانستان، يؤكد ان الشراكة بين موسكو وطهران ليست فقط اقتصادية، بل استراتيجية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

على الجانب الانساني، تناولت المعاهدة قضية غزة، حيث تعهد الطرفان بالعمل على تحسين الوضع الانساني في القطاع وتعزيز الاستقرار فيه. هذه الخطوة تظهر ان التحالف الروسي الإيراني يمتد ليشمل القضايا الانسانية، بما يعكس دوره كقوة داعمة للشعوب في مواجهة الازمات.

هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة تعيد صياغة مفاهيم التحالفات الدولية. روسيا، بصفتها قوة عظمى، تجد في إيران شريكا اقليميا موثوقا. وإيران، وسط التحديات الجيوسياسية، ترى في هذه العلاقة ركيزة لامنها القومي وتعزيزا لدورها الاقليمي. معاهدة بهذا الحجم لا تعيد فقط تعريف العلاقات الثنائية بين البلدين، بل تشكل رافعة جديدة للنظام العالمي باسره.

About The Author