في خضم التحولات العالمية في قطاع الطاقة، تبرز آسيا الكبرى كمحور أساسي يعيد رسم خارطة الطاقة العالمية، فالمنطقة الممتدة من اليابان شرقاً إلى شبه الجزيرة العربية غرباً، تتجه بخطى متسارعة نحو تعزيز استقلاليتها وبناء تحالفات إقليمية جديدة، مما يغير قواعد اللعبة الجيوسياسية. وفي المقابل، تسعى القوى التقليدية مثل أوروبا والولايات المتحدة للحفاظ على أدوارها المتراجعة في المشهد العالمي.
جاء ذلك في تقرير حمل عنوان “جيوبوليتيك تحول الطاقة في آسيا الكبرى” والذي أعده #دافود_أنصاري و #روزا_ميليسا و #جاكوبو_ماريا ، ونُشر ضمن مشروع “جيوبوليتيك تحول الطاقة في آسيا الكبرى” بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية .
وذكر التقرير أن آسيا الكبرى التي تمتد من اليابان شرقاً إلى روسيا شمالاً وشبه الجزيرة العربية غرباً وأستراليا جنوباً، باتت المحرك الرئيسي لتحول الطاقة العالمي، بعد عقود من هيمنة الغرب على قطاع الطاقة، حيث باتت هذه المنطقة تتخذ خطوات واثقة نحو تحقيق استقلال اقتصادي وتحقيق طاقة مستدامة عبر سياسات إقليمية ودولية طموحة.
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تعزيزاً للتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. هذا التعاون أدى إلى نشوء شبكات إقليمية أقوى بعيداً عن النفوذ الغربي التقليدي. فقد قادت الصين وروسيا هذا التحول عبر بناء تحالفات ثنائية ومتعددة الأطراف. كما لعبت الصين دوراً رئيسياً في الخليج العربي، ليس فقط عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية، بل أيضاً من خلال دعم تقارب سياسي بين دول رئيسية كالسعودية وإيران.
يعتمد تحول الطاقة في آسيا الكبرى بشكل أساسي على التحكم في المواد الخام الحرجة، مثل المعادن النادرة، التي تُعتبر حجر الزاوية لصناعات الطاقة المتجددة. في هذا السياق، تبرز الصين كفاعل محوري، مستندة إلى سياسات تتيح لها الهيمنة على عمليات استخراج وتكرير هذه الموارد، مما يعزز نفوذها الجيوسياسي في المنطقة.
التقرير يسلط الضوء على التقنيات الناشئة، مثل المفاعلات النووية الصغيرة، التي تُعد ركيزة أساسية لسياسات الطاقة المستقبلية. هذه المفاعلات ليست مجرد أدوات لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، بل أيضاً وسيلة لتوسيع النفوذ الجيوسياسي لدول المنطقة. ورغم ذلك، تُطرح تساؤلات جدية حول السيطرة على سلسلة التوريد النووية وإدارة الوقود النووي المستهلك.
التحديات المناخية تلقي بظلالها على المشهد، حيث يمثل ارتفاع منسوب البحار والكوارث الطبيعية تهديدات خطيرة للبنية التحتية الإقليمية، مع ذلك، تُعد هذه التحديات فرصة لتعزيز التحول الطاقوي ودفع عجلة الطاقة المتجددة بوتيرة أسرع.
رغم مساعي القوى التقليدية مثل الاتحاد الأوروبي وألمانيا للحفاظ على أدوارها، يشير التقرير إلى أن غياب استراتيجيات فعالة تكيفية مع الديناميكيات الإقليمية الجديدة أدى إلى تراجع نفوذها، ويؤكد التقرير أن العلاقات مع آسيا الكبرى بحاجة إلى إعادة صياغة شاملة تركز على بناء شراكات مستدامة بدلاً من أساليب فرض ألاجندات.
المصدر
SWP – Stiftung Wissenschaft und Politik. تقرير “جيوبوليتيك تحول الطاقة في آسيا الكبرى”. ديسمبر 2024.
More Stories
سياسة أمريكا الجديدة ومخاطر ضعف التحالفات
السوداني والتحديات المعقدة
روسيا وإيران وتحالف التوازنات الجديدة